languageFrançais

''فلاڤرنتي''.. عن القصص التي لا تُحكى والحريات الوهمية

يبدو أن المُخرجة آسيا الجعايبي قد اختارت في عملها المسرحي الأخير، رجّ المُشاهد بكل الطرق الممكنة، موسيقى وصورة ومشاهد وحوارا.. وهي تنبّهه لذلك منذ لحظات مسرحية ''فلاڤرنتي'' الأولى، إذ تقول للجمهور الذي غصّت به القاعة: ''اعملوا اللي تحبو.. وأنا زادا بش نعمل اللي نحب''.

قد يَصدم هذا العمل المسرحي، الذي تحتضنه قاعة ''الريو'' بالعاصمة وتم انتاجه من طرف جمعية ''موجودين'' وبدعم من جمعية ''الشارع فن''، شريحة واسعة من التونسيين.. وقد يُزعجهم حتى. فالمسرحية تفتح الأبواب لفئة حُكم عليها في تونس بالصمت، ونُبذت طويلا، وهُدّدت وما تزال بسوء المعاملة والسجون، الأمر الذي جعلها تكوّن حلقات اجتماعية خاصة بها ومنعزلة عن البقية. وقد ينسى التونسي أو يتناسى وجودهم/هن بسبب ذلك. والمخرجة اختارت أن تُحضرهم/هن على خشبة المسرح، وتروي بعضا من قصصهم/هن. 

ست شخصيات، هم  آدم، مالك، بخته، أحمد، سلمى وريان، مختلفون كثيرا، وتجمعهم الصداقة والسعادة التي يعيشونها بين جدران منزل الحبيبين، آدم ومالك. قصة المسرحية تدوم لأربعة أيام من حياة شخوصها، كانت كفيلة لتغيير حياتهم إلى الأبد. أيام معدودة كانت كفيلة بأن يروا ونرى معهم الوجه الآخر لتونس، وتُذكرنا بقوانينا البالية، وتجاوزات أعوان الأمن، والإهانات التي لا تنتهي للذات البشرية، أين يكون جلوسك آمنا في منزلك جريمة لا تُغتفر، قد تُكلّفك كرامتك وأمنك وصحتك النفسية..

أيام معدودة نعيشها لمدة ساعتين مع الشخصيات التي اختارتها آسيا الجعايبي بعناية، تمثل أجيالا وشرائح مختلفة، من الطالبة الشابة الباحثة عن الحب سلمى، وصولا إلى المرأة الناضجة بختة، التي جرّبت كثيرا وعاشت حياتها طولا وعرضا، ومازال فيها شيء من الجنون. ومرورا بالطبيب الهادئ والمُحبّ لعشيقه مالك، الشاب الرومنسي الذي كان عاشقا للحياة وشعاره فيها هو الحب، وانتهى تائها مكتئبا ناقما.. إضافة إلى أحمد وريان، شخصيتان مختلفتان حد التناقض، أحدهما ثائر مُشهر لهويته الجنسية، والثاني محام مُطلق لم يجد طريقه بعد..

لكن ما يجمعهم/هن على اختلاف قصصهم/هن ومشاربهم/هن هو صداقتهم/هن واحترامهم/هن لاختلافهم/هن. فهل ستصمد سعادتهم/هن المسروقة وصداقتهم/هن، أمام حقيقة القانون، العُرف، والأحكام الأخلاقوية المُتفشية في البلاد؟ 

 

أمل الهذيلي